منذ ثلاثين عامًا مضت، رأيت الرجل الغريب للمرة الأخيرة.
لم يكن أحد أولئك الرجال الذين يعلقون في الذاكرة، عرفته لأنني كنت أدفع له إيجارًا ربع سنوي عن أحد الممتلكات التي حصلت عليها في إنجلترا. ولولا لقاؤنا المتكرر لما كنت ميزته عن أي رجل آخر في الشارع؛ كان هزيلًا، جافًّا، بائسًا، ومتشحًا بالسواد.
لم يكن كثير الكلام، ليس في تلك المرة فقط بل دائمًا وعلى مدار كل تلك السنوات التي قابلته فيها. اعتاد الإتيان إلى باب بيتي للحصول على الإيجار، نتبادل كلمات قليلة ثم يذهب ولا أراه إلا في موعد التحصيل التالي. لطالما أثار فضولي — ذلك الرجل — لأنه بدا لي كالأشباح في مشيته ومظهره. شحوبه وقلة كلامه وقلة المعلومات التي كانت لديَّ عنه رسمت داخل عقلي صورة لرجل ميت. بلا عائلة ولا صديق. شخص ميت لا يظهر إلا في أوقات تحصيل الدين ثم يعود إلى عالمه الآخر الذي لا أعلم عنه شيئًا.