كَانَ رُسْتُمُ قَائِدًا كَبِيرًا مِنْ قُوَّادِ الْفُرْسِ وَكانَ يَحْكُمُ قِسْمًا مِنْ بِلَادِهِ فِي الشَّرْقِ يُسَمَّى «خُرَاسَانَ».
وَمُنْذُ سَارَتْ جُيُوشُ المُسْلِمِينَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْر - رضي الله عنه - إِلَى بِلَادِ الْعِراقِ وَبِلَادِ الشَّامِ، وَرُسْتُمُ يَحْلُمُ أَحْلَامًا مُزْعِجَةً.
فَمَرَّةً يَرَى فِي نَوْمِهِ أَنَّ نَسْرًا كَبِيرًا انْقَضَّ عَلَى بِلَادِ الْفُرْسِ وَأَخَذَهَا بَيْنَ مَخَالِبِهِ وَطَارَ بِهَا، وَمَرَّةً يَرَى أَنَّ أَسَدًا قَوِيًّا هَجَمَ عَلَيْهَا وَابْتَلَعَهَا، فَيَقُومُ مِنْ نَوْمِهِ مَفْزُوعًا يُفَكِّرُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْأَحْلَامِ.
وَذَاتَ لَيْلَةٍٍ رَأَى تِلْكَ الْأَحْلَامَ الْمُخِيفَةَ فَقَامَ مَفْزُوعًا، ثُمَّ حَاوَلَ النَّوْمَ فَلَمْ تَنْطَبِقْ عَيْنَاهُ حَتَّى أَشْرَقَ النَّهَارُ.
فَهَبَّ مِنْ سَرِيرِهِ، وَنَزَلَ إِلَى حَدِيقَةِ قَصْرِهِ وَسَارَ بَيْنَ الْأَشْجَارِ الْعَاليَةِ وَالْأَزْهَارِ الْجَمِيلَةِ، وَحَاوَل أَنْ يُسَكِّنَ نَفْسَهُ بِأَصْوَاتِ الطُّيُورِ الَّتِي تُغَرِّدُ فَوْقَ الْأَغْصَانِ، لَكِنَّ هَمَّهُ كَانَ ثَقِيلًا، فَلَمْ يَطْرُدْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْجَمالِ الَّذيِ يَرَاهُ.
ثُمَّ أَخَذَ يَتَنَقَّلُ فِي الْحَديقَةِ الْوَاسِعَةِ وَيَسِيرُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، وَهُوَ يُفَكِّرُ فِي تِلْكَ الْأَحْلَامِ، وَيُفَكِّرُ فِي رِجَالِ الْفُرْسِ الَّذِينَ يَتَقَاتَلُونَ عَلَى الْمُلْكِ، كُلٌّ مِنْهُمْ يَوَدُّ أَنْ يَكُونَ مَلِكًا، لَا يَهْتَمُّونَ بِالْبِلَادِ وَلَا بِالشَّعْبِ الْجَائِعِ الْمِسْكِينِ .
وَيُفَكِّرُ فِي الْعَرَبِ الَّذِينَ دَخَلُوا بِلادَهُ وَاسْتَوْلَوْا عَلَى قُرَى الْعِرَاقِ، وَهَزَمُوا الْجُيُوشَ الَّتِي ذَهَبَتْ لِرَدِّهِمْ، وَقَتَلُوا الْقُوَّادَ الْكِبَارَ الَّذِينَ كَانُوا يَقُودُونَ تِلْكَ الْجُيُوشَ .