نظرتُ إلى الشعراء والأدباء والمؤرخين فرأيت حالهم وزهد عيشهم بين روايةٍ ينتظرون بيعها، أو جائزةٍ يترقّبون حصادها.. يُخرجون العمل الواحد في بضع سنوات ليفيء عليهم بعائد لا يكفي بضعة أشهر، بعد أن تخلّوا في سبيله عن مأواهم ومركَبهم وتحمّلوا عتاب الآباء وصراخ الأزواج وبكاء الأبناء، وبعد أن قعد بهم الحاسدون وثبَّطهم الحاقدون... فأشحتُ بوجهي عن الأدب وامتطيت حصان الطب، وخيلاء العلم... وركبت سفينة الإنسانية، وعشت في الأحلام والأفكار وتخيّلتُ الدولار والدينار... فلما وقعتُ على الحقيقة، واتضحتْ في عيني الرؤى، ربتُ على كتف الطبيب، ورفِقتُ لحاله وماله وزوجه وعياله، ثمّ لم ألبث أن قبّلتُ قلم الكاتب، ويد الشاعر وصفحات المؤرخ... وخرجتُ من صمتٍ قريب، وهمستُ في أُذن الأديب: "أنت الطبيب".